الغاية لا تبرّر الوسيلة - محمد ديب

     La Fin Ne Justifie Pas Les moyens  - Mohammed Dib

كانت " عيني" تريد السفر إلى المغرب لتحضر بعض البضائع المهربة وتبيعها. وأعطتها بعض النسوة مالا لتشتري به أغراضا لهن. ومن هؤلاء النسوة امرأتان طلبتا منها أثوابا لتجهيز بناتها للعرس. وقد منع السفر إلى المغرب بسبب الحرب، فصرفت "عيني" الأموال لتطعم أولادها. وجاءت النسوة يطالبن بأموالهن، ومن بينهن هاتان المرأتان اللتان وبختا "عيني" في ذلك الصباح واتهمتاها بالسرقة. وأثار قول "عمر" لأمه: "ينبغي على المرء أن لا يسرق" دهشة "لالا حسنة" التي زارتها في المساء.

ورفعت لالا ذقنها إلى فوق. إن هيئتها تعكس ما تحمله من احتقار كبير للنظريات السخيفة التي يدلي بها "عمر" ونطقت بحكمها في جد ووقار قائلة:

-  "ستكون نهاية هذا الصبي نهاية سيئة، سوف يتسول طوال حياته".

كانت أحكامها كأحكام القدر، لا تدع مجالا لاستشفاف آمال فرحة في يوم من الأيام. وأحس عمر بمدى ما تولده حقائق لالا في النفس من حزن ممض. كانت  لالا تقول لهم:

-  إن " عنتيل" قد نهب وسرق، ولكنه جمع ثروة".

وكان شعورها المخلص هو أن هذه النتيجة تمحو ما كانت تشتمل عليه الوسائل من إزعاج، وأضافت تقول:

-  والآن لم يبق على عنتيل إلا أن يفعل الخير، وأن يتصدق على الفقراء وأن يحج إلى مكة فبذلك يكفل لنفسه الجنة.

إذا لابد للمرء حتى يمارس الفضيلة ممارسة مجدية من أن يبني في أول الأمر ثروة .كلام واضح.

***

 " وقالت له في مرة أخرى في صراخ قوي:

-  " كيف تراك تدبر أمورك في هذه الحياة، أنت يا من لا تريد أن تسرق؟ قل لي: ما عساك تفعل؟  إن على المرء أن يعرف كيف يختطف خبزه من فم الكلب حين ينبح الكلب".

أخذوا يتبنون نظراتها أخيرا، دون أن يعرفوا كيف حدث هذا، أصبحوا يتابعونها دون أن يكون لهم حيلة في دفع ذلك عن أنفسهم. لاحظ "عمر" أنه قد استبدت به أراء ما كان يتمنى في حياته أن تكون آراءه. ود "عمر" لو يومئ إلى خالته أن تسكت! ولكنه لم يأمل كثيرا أن تحفل خالته بإيمائه.

    ليست هذه أول مرة يلاحظ فيها" عمر" من حوله فكرة اختراق القوانين عن وعي وعمد. وكان عمر يحس دائما أن كل إنسان يستطيع بالذكاء والحذق والحماسة أن يصل إلى جميع المراكز التي يطمح إليها ويحرص عليها، فكان لا يستطيع أن يتصور أن على الإنسان أن يسرق، وأن يخدع الناس، وأن يستغل الآخرين من أجل تحقيق غاياته...

 قال في نفسه: "حتى الجوع لن يدفعني إلى استلاب ما ليس لي".

    كان يكفيه أن يتصور ضرورة السرقة حتى يشمئز. صحيح أنه لم يصل إلى معنى الشرف والأمانة بتفكير مقصود، لكنه لم يخطر بباله في يوم من الأيام أن يسلك سلوكا غير شريف. الخير والشرف عنده صنوان، وكان يعرف مع ذلك أن كثيرا من الناس يسرقون، وأن الذين يسرقون ليسوا أقل الناس شأنا، وأولئك الذين لا يتورعون عن انتهاز أية فرصة من الفرص لزيادة ثرائهم الشخصي، أولئك أنفسهم ينظرون إلى العالم الذي حولهم نظرة تعال وتكبر. وضحاياهم الأولى التي لا يشعرون نحوها إلا بالاحتقار والتنازل هي من هذا الشعب الذي يحيط بهم. وكان "عمر" يتخيل مائدة أولئك الناس على أنها شيء رهيب فاتن كمنضدة الذبائح، وليست تذبح على هذه المنضدة حيوانات شائعة كالخرفان والحملان والأبقار فحسب، بل تذبح عليها كذلك النباتات البريئة والأشجار، وأعشاب الأرض، وحتى الإنسان نفسه، يذبح جميع البشر الذين تظل أيديهم وأرجلهم تتخبط إلى أن يشبع السفاح الذي لا وجه له، يذبح عليها جميع الناس وأقدس ما في الانسان: كرمه، وأخوته، وشرفه، وشهامته، وشوقه إلى الحياة والبناء والتفكير، يذبح عليها هذا كله، ويوضع على مائدة الشيطان طعاما يقطر منه دم.

   ومع ذلك فإن بعض الناس، وهم من أشرف الناس، قد سيطرت عليهم الحالة النفسية التي كانت شائعة في ذلك الوقت. كانوا يغبطون الشيطان ويتمنون أن يكونوا مثله.

الحريق  ص345- 348              

الأسئلة:

1-  هل تعتقد أن غاية "عيني" النبيلة في إطعام أطفالها الجائعين، تبرر استيلائها على مال النسوة؟ علل إجابتك.

2-  ما أخلاقيات مهنة التجارة؟ وهل تعتقد أن ثراء "عنتيل" يدل على نجاعته في التجارة؟ وهل تتماشى ممارسات التجار في منطقتك مع أخلاقيات المهنة؟ دعم إجابتك بأمثلة من الواقع.

3- بين موقف " عمر" ووضح رأيك فيه، وممن استمد قيم الشرف والأمانة ياترى؟

4- ما الحالة النفسية الشائعة التي يقصدها الكاتب، والتي سيطرت على بعض الناس والأشراف؟ وهل هذه الحالة شائعة في مجتمعنا الآن؟ وهل هي مخالفة لقيم مجتمعنا؟ وضح إجابتك بأمثلة من الواقع، ومظهرا أهم قيم مجتمعنا، وأصولها وأسباب شيوع هذه الحالة، وكيفية معالجتها في نظرك.

5-   وضح معنى عبارة " الغاية تبرر الوسيلة" واذكر قائلها، وهل توافقه أم تعارضه؟ دعم رأيك بالحجة في الحالتين.

6-  ما غرض الكاتب من النص؟

7-  ما التقنيات التي استعملها الكاتب في عرض موضوعه؟ وما مدى نجاحه في ذلك؟ دعم إجابتك بشواهد من النص.

8- بين انفعالات كل من "لالا حسنة" و"عمر" فيما يأتي (غضب، احتقار، تعجب، اشمئزاز...) ودعم إجابتك بشواهد من النص.

9-  ما نوع العاطفة التي تحس بها نحو كل منهما؟.

من كتاب "المواضيع الاجتماعية"                     

الفصل الثاني: مقتطفات من المواضيع الاجتماعيّة